يكتب روبن أوستل أستاذ الأدب العربي الحديث في جامعة أكسفورد شارحاً عدم بلوغ الأدب العربي مستوى الظاهرة ذات التأثير العالمي في بحثه المقدّم إلى مؤتمر “الأدب العربي والعالمية” الذي انعقد في القاهرة عام 1999، ونظمه المجلس الأعلى للثقافة ونشر وقائعه في كتاب حمل العنوان نفسه:
“لسنا في حاجة، على مستوى القيمة الفنية والأدبية، إلى إهدار الوقت في مناقشة ما إذا كان الأدب العربي يمتلك أو لا يمتلك قيمة عالمية. من الواضح أنه يمتلك هذه القيمة، ومدرِّسو الأدب العربي واللغة العربية في الجامعات الغربية هم من بين القلائل الذين يدركون هذه القيمة، على حد سواء، في فجر الأدب العربي في شعر ما قبل الإسلام، وعند عمالقة العصر الذهبي في الفترة العباسية، وصولاً إلى الأدباء الذين ساهمو في نهضة وتطوير الأدب العربي منذ القرن الماضي. لقد درسناهم ودرّسناهم، ونحن نعرف قيمتهم العالمية، غير أن المشكلة هي في السؤال التالي: من غيرنا، خارج العالم العربي يعرف ذلك؟ عملياً، أستطيع أن أقول إن الأدب العربي ليس بأي معنى من المعاني ظاهرة أدبية ذات تأثير عالمي على المستوى الفعلي. لماذا أؤكد ذلك؟ ببساطة شديدة لأن الأدب العربي لم يدخل الحوار العام للنقد الأدبي على المستوى العالمي مثلما حدث، على سبيل المثال، مع أدب أمريكا اللاتينية” (التأكيد لصاحب هذه السطور)
ومعنى هذا أن الترجمة وحدها لا تكفي جواز سفر للدخول إلى عالم الأدب العالمي، فضلاً عن أنها لا تستند في اختياراتها لما تتم ترجمته إلى معايير فنية وأدبية فقط، وثمة عوامل أخرى تحفزها تتصل بواقع العلاقات الدولية، والتطورات التي تشهدها على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أن للإعلام دوراً متنامياً في تعزيز انتشار الاهتمام ببعض الأعمال الأدبية المترجمة وغير المترجمة وتوسيع دائرة تلقيها من جانب القراء المختصين وغير المختصين ممن يهمهم متابعة التطورات الأدبية العالمية، والاطلاع على آخر نتاجات الآداب الأخرى.
ومن ثَمَّ، فإن السؤال الملح الذي يطرح نفسه وبقوّة في هذا المقام هو:
ماالذي يمكننا، نحن العرب، أن نفعله لإدخال الأدب العربي، المؤهل، بالقوة والفعل، لهذا الدخول، في دائرة الأدب العالمي؟
سؤال يراود كل غيور على هذا الأدب، وبخاصة عندما يستحضر في ذهنه الأيام الخوالي لهذا الأدب في العصور الوسطى، وكيف أنه، في منجزه الأندلسي، كان وراء نشأة معظم الآداب الأوربية الحديثة، وأنه أسهم في تشكيل العديد من أجناسها الأدبية.
قد يكون الجواب بسيطاً، غير أنه يشكل بالتأكيد تحدِّياً حقيقياً للأدباء والدارسين العرب، لأنه يتطلب جهوداً مخلصة مثابرة تُسهِّل إدخاله بداية في متن الدراسات الحديثة في اللغات العالمية، ومن ثَم تيسِّر تبوَّأَهُ المكانة التي تليق به في دائرة الأدب العالمي.
ولكن كيف يمكن إدخال الأدب العربي قديمه وحديثه في متن الدراسات الأدبية والنقدية الحديثة؟ وكيف يمكن أن نفيد في ذلك من المناخات التي خلقتها النظرية ما بعد الاستعمارية من جهة، والازدهار الملحوظ للدراسات المعنية بالأدب العالمي من جهة أخرى، خاصة وأن تلك النظرية، مشفوعة بالتوسع في آفاق دراسة الأدب العالمي، باتت تلتفت إلى آداب الأطراف، والآداب المهمَّشة، وآداب المنافي والهجرة، وآداب الجنوب الناطقة بغير لغاتها الأم؟
غير أن على المرء أن يذكِّر أن التوجه العام، الذي ينبغي أن ينظم ما يمكن أن يقوم به العرب في هذا المجال، هو أن يأخذوا بزمام المبادرة في دمج أدبهم بمتن الأدب العالمي، وأن يكون عملهم في هذا المضمار هو التيار الأساسي فيه، في حين تكون جهود الآخرين ممن يخدمون الأدب العربي من غير الناطقين بالعربية مجرد روافد تغني هذا التيار، وتعزز اندفاعته نحو مستقبل واعد. ومما يجب التنبُّه له أيضاً أن يكون هذا العمل عملاً مؤسسياً تقوم به مؤسسة حكومية مستقلة في تمويلها وإدارتها، حتى تتجنب معيقات البيرقراطية والأهواء السياسية، ولتتمكن من أن تخطط للعمل، وتشرف على تنفيذه، وتتابع هذا التنفيذ متابعة حثيثة، تضمن ثماره الطيبة المرجوّة.
لمتابعة القراءة يمكن تحميل الملف بالضغط على رابط التحميل في أعلى الصفحة!