الأدب فن جميل، غايته الإمتاع وحده بالنسبة إلى بعضهم، والفائدة وحدها بالنسبة إلى بعضهم الآخر، وهناك من يرى أن غايته الإمتاع أولاً، والفائدة ثانياً، وخيره ما يشفع المتعة بالفائدة على حد تعبير الشاعر والناقد الروماني هوراس، ولذلك يرى بعضهم أن ليس ثمة مجال لدراسته، التي تبدو لهم قتلاً للجمال فيه – الجمال الذي خُلِق للمتعة والمتعة وحدها، والمتعة تُعاش، والجمال يُتذوق، ولا شأن للدراسة بهما.
والواقع أن دراسة الفن-على خلاف ما يعتقد هؤلاء- تعمِّق فهمه ومن ثَمَّ ترتقي بعملية تذوّقه وتُوسِّع آفاق المتعة التي ينطوي عليها، وتُغني جوانب الفائدة التي يعود بها على قارئه.
وثمة فريق من الأدباء والفنانين ممن يقصر رخصة دراسة الفن على نظرائهم، فالأديب، فيما يرَوْن، وحده من يملك إمكانية دراسة الأدب، والفنان وحده من يحق له تدبّر الفن، وهل ثمة من هو أكثر خبرة منه أيهما بالأدب والفن؟ وربما كان ما كتبه ميخائيل نعيمة، أحد عمالقة الأدب العربي الحديث خير إجابة على زعم هؤلاء الأدباء والفنانين. إذ يقول في غرباله معرِّضاً بمن لا يميزون بين طبيعة الممارسة الأدبية، وبين دراسة هذه الممارسة:
“من الناس كذلك من يقول-ويقول بإخلاص- إنه لا صلاحية لناقد أن ينقد شاعراً أو كاتباً أو ابنَ أي فن كان من الفنون إلا إذا كان هو نفسه شاعراً أو كاتباً أو من أبناء ذلك الفن. فجوابي لهؤلاء هو جواب أحدهم وقد سمع هذا الاعتراض عينه فقال: “أعليّ أن أبيض البيضة، إذن، لأعرف ما إذا كانت صالحة أو فاسدة” “.
وعلى الرغم من أن جواباً كهذا مفحم بما فيه الكفاية، غير أنه لا يمنع الكثيرين ممن لا يؤمنون بوظيفة الدرس الأدبي ورسالته ودوره في تطوير عملية الإنتاج الأدبي، من ترديد الاعتراض نفسه بصورة أو بأخرى. الأمر الذي يستوجب الحديث عن مشروعية دراسة الأدب أو الدراسة الأدبية.
لمتابعة القراءة يمكن تحميل الملف بالضغط على رابط التحميل في أعلى الصفحة!