يلاحظ الدارس لتلقي عمل ابن رشد “التلخيص الوسيط” الذي قدّم فيه شرحه لكتاب أرسطو” فن الشعر” أن ثمة بوناً شاسعاً ما بين التقويم المُجحِف للباحثين العرب الحديثين لهذا العمل الصوّة في تاريخ النقد العالمي، وبين تقويم الباحثين الغربيين، الذين ظلوا يشاغلونه بترجماتهم ودراساتهم وأبحاثهم، ويناقشون ما أسهم به في النقد الأوربي على مدى عدة قرون، بل يرونه مصدراً مهماً من مصادر تحقيق فن الشعر الذي تأخرت نسخته المحققة تحقيقاً دقيقاً يأخذ بالحسبان جميع الشواهد المتاحة على نصه في مختلف اللغات القديمة والوسيطة حتى عام 2012م عندما قام باحثان أمريكيان بإخراج نسخة يمكن الاطمئنان إلى نسبتها إلى أرسطو من ناحية، مثلما يمكن الوثوق بصحة نصها من ناحية أخرى. وقد قامت دار النشر الهولندية بريل بنشرها وإخراجها في طبعة مزدوجة اللغة (باليونانية والإنكليزية) مع تعليقات نصية دقيقة على النص اليوناني قدمها واحد من أبرز المختصين بالعلاقات الثقافية العربي – اليونانية هو ديمتري غوتاس صاحب كتاب: فكر يوناني- ثقافة عربية: حركة الترجمة اليونانية-العربية في بغداد وأوائل المجتمع العباسي (القرون الثاني-إلى الرابع ه/الثامن إلى العاشر م) الذي قام بترجمته إلى العربية الدكتور نقولا زيادة قبل رحيله.
ويبدو أن السبب في هذا البون بين تقويم الباحثين العرب الحديثين وبين تقويم نظرائهم في الغرب هو النظرة السطحية التي سادت تدبّر معظم الأولين لـ التلخيص الوسيط، والتي رأت فيه مجرد تلخيص لترجمة تمّت عن طريق لغة وسيطة قام بها جاهل للغتين وللأدب اليوناني، في حين كانت نظرة الآخرين نظرة متعمِّقة أحاطت بظروف انتقال الكتاب عبر الزمان والمكان والثقافات، وتبينت غرض ابن رشد من تلخيصه أو بالأحرى شرحه، والأهم من ذلك كله فهمهم لهذا التلخيص على أنه شرح، ومن ثم، فإنهم تعاملوا معه على أنه يُعبِّر عن فهم فيلسوف عربي مسلم لفيلسوف يوناني وثني، وأن ابن رشد أراد أن ينتقل بآراء أرسطو، المحكومة أساساً بنصوص الأدب اليوناني، إلى دائرة أوسع من المتن الأدبي العالمي، فينظر في القوانين العامة للشعر التي تصلح لكل زمان ومكان، وما يمكن، من ثم، أن تفيد الشعر العربي وشعر الأمم الأخرى.
لمتابعة القراءة يمكن تحميل الملف بالضغط على رابط التحميل في أعلى الصفحة!