ابن رشد في شرحه الوسيط لفن الشعر لأرسطو: ماله وما عليه

مجلة التراث العربي، العدد المزدوج 159-160، 2020-2010، ص ص 37-60

يلاحظ الدارس لتلقي عمل ابن رشد “التلخيص الوسيط” الذي قدّم فيه شرحه لكتاب أرسطو” فن الشعر” أن ثمة بوناً شاسعاً ما بين التقويم المُجحِف للباحثين العرب الحديثين لهذا العمل الصوّة في تاريخ النقد العالمي، وبين تقويم الباحثين الغربيين، الذين ظلوا يشاغلونه بترجماتهم ودراساتهم وأبحاثهم، ويناقشون ما أسهم به في النقد الأوربي على مدى عدة قرون، بل يرونه مصدراً مهماً من مصادر تحقيق فن الشعر الذي تأخرت نسخته المحققة تحقيقاً دقيقاً يأخذ بالحسبان جميع الشواهد المتاحة على نصه في مختلف اللغات القديمة والوسيطة حتى عام 2012م عندما قام باحثان أمريكيان بإخراج نسخة يمكن الاطمئنان إلى نسبتها إلى أرسطو من ناحية، مثلما يمكن الوثوق بصحة نصها من ناحية أخرى. وقد قامت دار النشر الهولندية بريل بنشرها وإخراجها في طبعة مزدوجة اللغة (باليونانية والإنكليزية) مع تعليقات نصية دقيقة على النص اليوناني قدمها واحد من أبرز المختصين بالعلاقات الثقافية العربي – اليونانية هو ديمتري غوتاس صاحب كتاب: فكر يوناني- ثقافة عربية: حركة الترجمة اليونانية-العربية في بغداد وأوائل المجتمع العباسي (القرون الثاني-إلى الرابع  ه/الثامن إلى العاشر م) الذي قام بترجمته إلى العربية الدكتور نقولا زيادة قبل رحيله.

ويبدو أن السبب في هذا البون بين تقويم الباحثين العرب الحديثين وبين تقويم نظرائهم في الغرب هو النظرة السطحية التي سادت تدبّر معظم الأولين لـ التلخيص الوسيط، والتي رأت فيه مجرد تلخيص لترجمة تمّت عن طريق لغة وسيطة قام بها جاهل للغتين وللأدب اليوناني، في حين كانت نظرة الآخرين نظرة متعمِّقة أحاطت بظروف انتقال الكتاب عبر الزمان والمكان والثقافات، وتبينت غرض ابن رشد من تلخيصه أو بالأحرى شرحه، والأهم من ذلك كله فهمهم لهذا التلخيص على أنه شرح، ومن ثم، فإنهم تعاملوا معه على أنه يُعبِّر عن فهم فيلسوف عربي مسلم لفيلسوف يوناني وثني، وأن ابن رشد أراد أن ينتقل بآراء أرسطو، المحكومة أساساً بنصوص الأدب اليوناني، إلى دائرة أوسع من المتن الأدبي العالمي، فينظر في القوانين العامة للشعر التي تصلح لكل زمان ومكان، وما يمكن، من ثم، أن تفيد الشعر العربي وشعر الأمم الأخرى.

لمتابعة القراءة يمكن تحميل الملف بالضغط على رابط التحميل في أعلى الصفحة!

ملامح عربية-إسلامية في سوناتات الحياة الجديدة لدانتي

فصل في كتاب "دراسات وبحوث مهداة إلى الدكتور أحمد الهواري"، تحرير: خالد فهمي ووجيه يعقوب، (الوادي للثقافة والنشر، القاهرة، 2021).

هل يعد دانتي أليغيري (1265-1321) صاحب “الكوميديا الإلهية“، وأمير أدباء إيطالية-عصر النهضة، أديباً عالمياً؟ وهل ثمة ما يؤهله للدخول إلى دائرة الأدب العالمي؟

إذا كان من شروط التأهل لهذه المنزلة تجاوز ما ألفه الأديب من أعمال أدبية في انتشاره حدي الزمان والمكان، وعائقي اللغة والثقافة، فإن دانتي المقروء على نحو واسع في مختلف أنحاء المعمورة، وعلى مدى القرون العديدة التي مرت بعد رحيله عن عالم الدنيا، والمترجَم إلى مختلف، بل أغلب اللغات الحية، بما فيها اللغة العربية، والمحتفى به نقدياً، ومقارنياً في مختلف التقاليد الأدبية، ولا سيما التقليد الأدبي المقارني العربي من خلال دراسة صلات رائعته التي خلدته بالمرويات الإسلامية المتصلة بالعالم الآخر (المعراج، والفتوحات المكية لمحيي الدين بن عربي، وغيرهما) والنصوص المقدسة (القرآن الكريم)، والروائع العربية (رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، ورسالة التوابع والزوابع لابن شهيد الأندلسي)، يحمل جواز سفر رفيع يؤهله للدخول وهو مرفوع الرأس فخراً واعتزازاً بمنجزاته، التي منحته أعماراً عديدة بعد موته، إلى محراب الأدب العالمي، بل والفن العالمي، والثقافة العالمية الإنسانية كذلك.

والواقع أن ثمة إجماعاً عالمياً على قوة تأثير دانتي المستمر والواسع والغني والمتنوع، والممتد أكثر من ستة قرون،  في مختلف الثقافات والآداب العالمية منذ عصر النهضة وحتى يومنا هذا. ذلك أن تأثيره قد امتد إلى:  

  • مختلف الآداب القومية: الأوربية وغير الأوربية؛
  • ومختلف المعارف الإنسانية التي كان لدانتي، بوصفه رجلاً متميزاً من كبار رجال عصر النهضة، إسهام مهم فيها؛
  • ومختلف الفنون الجميلة ولاسيما الرسم والنحت والموسيقى  والغناء؛ 

ويكفي أن يذكر المرء أن تأثير دانتي في الآداب المكتوبة بالإنكليزية، يشمل، على سبيل المثال، أعلاماً من مثل جفري تشوسر،  وفيليب سيدني، وجون ميلتون، وجيرمي تيلور، والسير ت. براون، وجوناثان ريتشادسون، وتوماس غراي، وويليام بليك، ولورد بايرون، وشيللي، وتوماس كارلايل، وإزرا باوند، وت. س. إليوت، وويليام بتلر ييتس، وجيمس جويس، وصموئيل بيكيت وغيرهم؛ وأن ترجمات الكوميديا  الإلهية بأجزائها الثلاثة إلى الإنكليزية أكثر من أن تحصى، وأن الدراسات والشروح والأبحاث والرسائل الجامعية المتعلقة بدانتي وآثاره والمتيسرة بهذه اللغة بحاجة إلى عدة مختصين لمسحها وتقويمها، حتى يتبين استحالة دراسة تأثير دانتي في أدب قومي واحد، بَلْهَ عِدَّة آداب قومية، أو الأدب العالمي عامة.

ولما كان التأثير الواسع لدانتي وآثاره في مختلف الآداب والفنون والمعارف الإنسانية مستمر لم يعرف أي فتور على مدى القرون الستة ونيف فربما كان من العبث أن يفكر المرء في أن يكتب  بمفرده بحثاً عن جذور هذا السحر الذي يتمتع به أدب دانتي والذي يتجاوز الحدود اللغوية، والقومية، والزمانية، والمكانية، والمعرفية، لأن بحثاً كهذا بحاجة إلى مجموعة كبيرة من الفرق البحثية التي يمكن أن تتفحص فُسَحَ هذا التأثير في مختلف التقاليد الثقافية والأدبية القومية وتحدد وجوهها وملامحها على نحو موضوعي موثق. ولذا فإنه من الحكمة الاكتفاء بالوقوف على وجه من وجوه هذا التأثير المستمر لكتاباته في مختلف الآداب والفنون والمعارف والعصور. وربما كان الدور الذي أدّاه دانتي في إشاعة شكل السوناتا Sonnet في الشعر الغنائي الأوربي، منذ أيامه وحتى يومنا هذا، من أبرز وجوه التأثير الدانتي في الأدب الغربي عامة، وهو ما يمكن أن يتضح من خلال مناقشة موجزة لسوناتات دانتي في ديوانه La Vita Nouva، (الحياةالجديدة)، ومن ثَمَّ تقديم دراسة عجلى للتأثير العربي-الإسلامي في شكلها من جهة، وفي محتواها وما يسودها من حساسيات نفسية وفنية مستلهمة من الثقافة العربية-الإسلامية من جهة أخرى. ولما كان هذا التأثير قد انتقل إلى دانتي عبر شعراء التروبادور الذين كانوا موضع إعجابه المستمر،  ومحاكاته، بل واقتباسه أيضاً، فإنه لا بد من الإشارة إلى صلات دانتي بهم، وإلى سبل لقاءاته بأناشيدهم التي خلبت ولا تزال، لب الجمهور الأوربي المولع بشعر الحب عبر القرون. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو كيف تم هذا الانتقال؟ 

لمتابعة القراءة يمكن تحميل الملف بالضغط على رابط التحميل في أعلى الصفحة!

غوته والترجمة

مجلة الآداب العالمية، العدد 186، ربيع 2021، ص ص 7-14

مهما كان منظور المرء إلى “الأدب العالمي” Weltliteratur، ومهما اختلف فهمه لهذا “المفهوم” عن فهم نظرائه، فإنه لا محالة سيواجه مسألة الترجمة، بوصفها الوسيلة الأكثر أهمية في استكشاف “آداب الآخر”، إذ تستحيل الإحاطة بهذه الآداب، حتى على متعدِّدي اللغة، دون الاستعانة بالترجمة.

ولذا كان من الطبيعي أن ينشغل غوتة بها، وهو المسؤول الأبرز عن نشر هذا المفهوم والترويج له في مختلف أنحاء أوربة، ولاحقاً في مختلف أنحاء العالم، خلال القرنين الماضيين، وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية التي اتخذت من “الأدب العالمي أداة، بل نافذة يطل منها الأمريكيون على عوالم “الآخر”، وأدخلته دوائرُها الجامعية مقرراً مهماً من مقررات أقسام الآداب واللغات في أبرز جامعاتها.

والحقيقة أن انشغال غوتة بالترجمة متعدد الوجوه، فقد انشغل بها بوصفها:

  • وسيلة للتعارف الأدبي بين متعلِّمي أوربة، ولتوثيق الصلات الثقافية المتبادلة ما بين الأمم والشعوب، فهي، مثل الدراسة والتعريف، من أهم أشكال التوسّط بين آداب الأمم المختلفة. ذلك أن الأدب العالمي، كما يفهمه غوته، من أنجع الوسائل في التأسيس لتعارف حقيقي بين الأمم والشعوب، خاصة وأن الأدب القومي غالبا ما يفصح بصدق عن روح الأمة، أو الشعب، أو القوم، المنتجين له.

ففي رسالة إلى توماس كارلايل صاحب كتاب “الأبطال“، تعود إلى 1 كانون الثاني 1827، يسأل غوته عن ترجمة إنكليزية لمسرحيته تاسو من جانب Des Voeux:

“أود أن أعرف رأيك إلى أي مدى يمكن عدّ تاسو (مترجمة إلى الإنكليزية) إنكليزية، ستجعلني ممتناً لك على نحو كبير بإعلامي عن هذه النقطة؛ لأن هذه الصلة ما بين الأصل والترجمة وحدها التي تعبر بأقصى درجات الوضوح عن الصلة ما بين أمة وأمة، والتي على المرء أن يعرفها، فوق كل شيء، إذا ما كان يرغب في تشجيع أدب عالمي مشترك يتجاوز التخوم القومية”.

وفي معرض الحديث عن الخدمة المزدوجة التي يقوم بها المترجم: تجاه أمة اللغة المصدر من جانب، وتجاه أمة اللغة الهدف من جانب آخر، يشير غوته إلى أن المترجم لا يخدم أمته فقط عندما يُيَسِّر لأبنائها آثاراً أدبية أو علمية أنتجها أبناء أمة أخرى ويوطِّنُها في ثقافة أمته لتزداد بها حيوية، وتغنى بمحتواها، ولكنه كذلك يخدم الأمة التي يُترجم آثارها عندما يلفت أنظار أبنائها إلى أهمية ما أنتجوه، وإلى وجوه في هذا الإنتاج غابت عنهم بسبب إلفتهم لها، وباتت جدَّ عادية لا تستحق الاهتمام الواجب، في حين تظفر بهذا الاهتمام في ثقافة الهدف التي ترجم لأبنائها هذا الإنتاج.

وملاحظة غوته هذه جدُّ مهمة، والمتتبع لتاريخ العلاقات الأدبية بين الأمم والشعوب يستطيع أن يتبيَّن صدقها فيما لا يحصى من الأمثلة. ولعل أبرز مثال عليها كتاب ألف ليلة وليلة، الذي لم ينل ما يستحقه من اهتمام في الثقافة العربية، ولم يلتفت باحثو العربية ونقاد أدبها إلى أهميته بوصفه رائعة عالمية وكتاباً كونياً إلا بعد ترجمته إلى الفرنسية على يد أنطوان غالان وانتشاره انتشار النار في الهشيم في أوربا أولاً، ومن ثم في مختلف بقاع العالم لاحقاً. 

لمتابعة القراءة يمكن تحميل الملف بالضغط على رابط التحميل في أعلى الصفحة!

الدراسة الأدبية: مشروعيتها، طبيعتها، أشكالها

مجلة الموقف الأدبي، العدد 598، شباط 2021، ص ص 33-40

الأدب فن جميل، غايته الإمتاع وحده بالنسبة إلى بعضهم، والفائدة وحدها بالنسبة إلى بعضهم الآخر، وهناك من يرى أن غايته الإمتاع أولاً، والفائدة ثانياً، وخيره ما يشفع المتعة بالفائدة على حد تعبير الشاعر والناقد الروماني هوراس، ولذلك يرى بعضهم أن ليس ثمة مجال لدراسته، التي تبدو لهم قتلاً للجمال فيه – الجمال الذي خُلِق للمتعة والمتعة وحدها، والمتعة تُعاش، والجمال يُتذوق، ولا شأن للدراسة بهما. 

والواقع أن دراسة الفن-على خلاف ما يعتقد هؤلاء- تعمِّق فهمه ومن ثَمَّ ترتقي بعملية تذوّقه وتُوسِّع آفاق المتعة التي ينطوي عليها، وتُغني جوانب الفائدة التي يعود بها على قارئه. 

وثمة فريق من الأدباء والفنانين ممن يقصر رخصة دراسة الفن على نظرائهم، فالأديب، فيما يرَوْن، وحده من يملك إمكانية دراسة الأدب، والفنان وحده من يحق له تدبّر الفن، وهل ثمة من هو أكثر خبرة منه أيهما بالأدب والفن؟ وربما كان ما كتبه ميخائيل نعيمة، أحد عمالقة الأدب العربي الحديث خير إجابة على زعم هؤلاء الأدباء والفنانين. إذ يقول في غرباله معرِّضاً بمن لا يميزون بين طبيعة الممارسة الأدبية، وبين دراسة هذه الممارسة:

“من الناس كذلك من يقول-ويقول بإخلاص- إنه لا صلاحية لناقد أن ينقد شاعراً أو كاتباً أو ابنَ أي فن كان من الفنون إلا إذا كان هو نفسه شاعراً أو كاتباً أو من أبناء ذلك الفن. فجوابي لهؤلاء هو جواب أحدهم وقد سمع هذا الاعتراض عينه فقال: “أعليّ أن أبيض البيضة، إذن، لأعرف ما إذا كانت صالحة أو فاسدة” “.

وعلى الرغم من أن جواباً كهذا مفحم بما فيه الكفاية، غير أنه لا يمنع الكثيرين ممن لا يؤمنون بوظيفة الدرس الأدبي ورسالته ودوره في تطوير عملية الإنتاج الأدبي، من ترديد الاعتراض نفسه بصورة أو بأخرى. الأمر الذي يستوجب الحديث عن مشروعية دراسة الأدب أو الدراسة الأدبية.

لمتابعة القراءة يمكن تحميل الملف بالضغط على رابط التحميل في أعلى الصفحة!

في دمج الأدب العربي بمتن “الأدب العالمي”

مجلة الموقف الأدبي، العدد 596، كانون الأول 2020، دمشق، سوريا، ص 15-22

يكتب روبن أوستل أستاذ الأدب العربي الحديث في جامعة أكسفورد شارحاً عدم بلوغ الأدب العربي مستوى الظاهرة ذات التأثير العالمي في بحثه المقدّم إلى مؤتمر “الأدب العربي والعالمية” الذي انعقد في القاهرة عام 1999، ونظمه المجلس الأعلى للثقافة ونشر وقائعه في كتاب حمل العنوان نفسه: 

“لسنا في حاجة، على مستوى القيمة الفنية والأدبية، إلى إهدار الوقت في مناقشة ما إذا كان الأدب العربي يمتلك أو لا يمتلك قيمة عالمية. من الواضح أنه يمتلك هذه القيمة، ومدرِّسو الأدب العربي واللغة العربية في الجامعات الغربية هم من بين القلائل الذين يدركون هذه القيمة، على حد سواء، في فجر الأدب العربي في شعر ما قبل الإسلام، وعند عمالقة العصر الذهبي في الفترة العباسية، وصولاً إلى الأدباء الذين ساهمو في نهضة وتطوير الأدب العربي منذ القرن الماضي. لقد درسناهم ودرّسناهم، ونحن نعرف قيمتهم العالمية، غير أن المشكلة هي في السؤال التالي: من غيرنا، خارج العالم العربي يعرف ذلك؟ عملياً، أستطيع أن أقول إن الأدب العربي ليس بأي معنى من المعاني ظاهرة أدبية ذات تأثير عالمي على المستوى الفعلي. لماذا أؤكد ذلك؟ ببساطة شديدة لأن الأدب العربي لم يدخل الحوار العام للنقد الأدبي على المستوى العالمي مثلما حدث، على سبيل المثال، مع أدب أمريكا اللاتينية” (التأكيد لصاحب هذه السطور) 

ومعنى هذا أن الترجمة وحدها لا تكفي جواز سفر للدخول إلى عالم الأدب العالمي، فضلاً عن أنها لا تستند في اختياراتها لما تتم ترجمته إلى معايير فنية وأدبية فقط، وثمة عوامل أخرى تحفزها تتصل بواقع العلاقات الدولية، والتطورات التي تشهدها على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أن للإعلام دوراً متنامياً في تعزيز انتشار الاهتمام ببعض الأعمال الأدبية المترجمة وغير المترجمة وتوسيع دائرة تلقيها من جانب القراء المختصين وغير المختصين ممن يهمهم متابعة التطورات الأدبية العالمية، والاطلاع على آخر نتاجات الآداب الأخرى. 

ومن ثَمَّ، فإن السؤال الملح الذي يطرح نفسه وبقوّة في هذا المقام هو:

ماالذي يمكننا،  نحن العرب، أن نفعله لإدخال الأدب العربي، المؤهل، بالقوة والفعل، لهذا الدخول، في دائرة الأدب العالمي؟

سؤال يراود كل غيور على هذا الأدب، وبخاصة عندما يستحضر في ذهنه الأيام الخوالي لهذا الأدب في العصور الوسطى، وكيف أنه، في منجزه الأندلسي، كان وراء نشأة معظم الآداب الأوربية الحديثة، وأنه أسهم في تشكيل العديد من أجناسها الأدبية.

قد يكون الجواب بسيطاً، غير أنه يشكل بالتأكيد تحدِّياً حقيقياً للأدباء والدارسين العرب، لأنه يتطلب  جهوداً مخلصة مثابرة تُسهِّل إدخاله بداية في متن الدراسات الحديثة في اللغات العالمية، ومن ثَم تيسِّر تبوَّأَهُ المكانة التي تليق به في دائرة الأدب العالمي.

ولكن كيف يمكن إدخال الأدب العربي قديمه وحديثه في متن الدراسات الأدبية والنقدية الحديثة؟ وكيف يمكن أن نفيد في ذلك من المناخات التي خلقتها النظرية ما بعد الاستعمارية من جهة، والازدهار الملحوظ للدراسات المعنية بالأدب العالمي من جهة أخرى، خاصة وأن تلك النظرية، مشفوعة بالتوسع في آفاق دراسة الأدب العالمي، باتت تلتفت إلى آداب الأطراف، والآداب المهمَّشة، وآداب المنافي والهجرة، وآداب الجنوب الناطقة بغير لغاتها الأم؟

غير أن على المرء أن يذكِّر أن التوجه العام، الذي ينبغي أن ينظم ما يمكن أن يقوم به العرب في هذا المجال، هو أن يأخذوا بزمام المبادرة في دمج أدبهم بمتن الأدب العالمي، وأن يكون عملهم في هذا المضمار هو التيار الأساسي فيه، في حين تكون جهود الآخرين ممن يخدمون الأدب العربي من غير الناطقين بالعربية مجرد روافد تغني هذا التيار، وتعزز اندفاعته نحو مستقبل واعد. ومما يجب التنبُّه له أيضاً أن يكون هذا العمل عملاً مؤسسياً تقوم به مؤسسة حكومية مستقلة في تمويلها وإدارتها، حتى تتجنب معيقات البيرقراطية والأهواء السياسية، ولتتمكن من أن تخطط للعمل، وتشرف على تنفيذه، وتتابع هذا التنفيذ متابعة حثيثة، تضمن ثماره  الطيبة المرجوّة.

لمتابعة القراءة يمكن تحميل الملف بالضغط على رابط التحميل في أعلى الصفحة!

ديفيد دمروش: إسهامه في نظرية الأدب العالمي

مجلة الآداب العالمية، العدد 182، ربيع 2020، دمشق

يخصص ثيو داهائين  Theo D’haenمحاضرته التي ألقاها في جامعة بوخارست بمناسبة منحه درجة الدكتوراه الفخرية في 15 نيسان 2011، للإجابة على سؤال مباشر هو: “لِم الأدب العالمي الآن؟”

ويربط نهوض هذا الأدب، وتجدد الاهتمام الدولي به في استدارة القرن الحالي، بحوادث أيلول عام 2000م التي طالت ثلاث مدن أمريكية: نيويورك و واشنطن وبنسيلفانيا، والتي جعلت الأمريكيين يحسون بجهلهم بـ “الآخر” العربي المسلم الذي فاجأهم وصعقهم، وولّد في نفوسهم رغبة محمومة في تعرّف هذا “الآخر” بالمعنى الأوسع للكلمة. ومن الطبيعي أن تكون آداب هذا الآخر خير وسيلة إلى تعرّفه وفهمه، واحتوائه إن اقتضى الأمر، والتعاون معه عندما يسمح الظرف الدولي بذلك، والتواصل معه، على أي حال، بغرض التأقلم مع مرحلة ما بعد هذه الحوادث التي غيّرت المشهد الدولي على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية إلخ.

وأطروحة البروفيسور داهائين هي أن هذا الأدب قد: 

“عُرِّف وأعيد تعريفه ليلائم حاجات أزمنة وأمكنة محددة، بالتوافق مع المصائر المتحوّلة لكيانات لغوية وثقافية محدَّدة على الخارطة العالمية” .

ومعنى هذا أن تجدّد هذا الاهتمام بـ “الأدب العالمي” في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة والغرب الأوربي وسائر أنحاء العالم المختلفة عامة، وعلى هذا النطاق الواسع، وإعادة النظر في تعريفه: طبيعةً ووظيفةً وحدوداً، ومناقشة طرق تدبّره: دراسةً وتدريساً وبحثاً علمياً ونشراً بين الناس، إنما نجمت عن التغيرات الخطيرة التي شهدها عالمنا في استدارة القرن الحالي، وبخاصة بعد تفجيرات أيلول عام 2000م في الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها كانت استجابة طبيعية لمقتضيات الظروف الدولية الجديدة التي خلقت فُسحاً للمواجهة والتفاعل والاحتكاك بين الكيانات الإنسانية اللغوية والثقافية والاجتماعية والسياسية في عالم ما بعد حوادث أيلول – عالَم الألف الثالث الميلادي.

والحقيقة أنه عند النظر إلى ما شهدته الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوربي من نشاطات تتصل بالأدب العالمي والتي شملت ميادين نشر المختارات، والأدلّة، والكتب، والأبحاث، والدراسات والمقالات، وتنظيم المؤتمرات المعنية بشؤون هذا الأدب دراسة وتدريساً وإعادة نظر في تدبّر شؤونه المختلفة، وإقامة الندوات، والدعوة إلى المحاضرات العامة والخاصة التي تروّج له، يلاحظ المرء الحضور الواسع لاسم بارز فيها هو ديفيد دمروش أستاذ كرسي إرنست بيرنباوم للأدب في جامعة هارفرد الذي شارك بفاعلية كبيرة ونشاط واسع ومتنوع في مختلف وجوه هذا الاهتمام المتجدد بـ “الأدب العالمي”، والتي شملت:

لمتابعة القراءة يمكن تحميل الملف بالضغط على رابط التحميل في أعلى الصفحة!