ثمة ما يشبه الإجماع على أن الإنجاز الأكبر لأنطوان غالان Antoine Galland (1646-1715) كان ترجمته لكتاب ألف ليلة وليلة إلى الفرنسية، وأن هذه الترجمة خلّدت اسمه في تاريخ انتشار الكتاب وتلقّيه في القارة الأوربية وما وراءها، وأسهمت في عملية دخول الكتاب إلى المركز من دائرة الأدب العالمي من جهة ثانية، وفي نشأة الحركة الرومنتية الأوربية من جهة ثالثة.
وثمة إجماع مماثل على أن القصص/الحكايات الأكثر رواجًا وشهرة وتداولًا بين قراء الليالي العربية، ومستثمريها من الفنانين والأدباء ومنتجي الأفلام الروائية ومخرجيها، والعاملين في ميدان المسلسلات التلفازية والإذاعية وناشري الكتب الشعبية، ولا سميا كتب الأطفال، ومنتجي أفلام الصور المتحركة، هي قصص “السندباد البحار“، وقصة “علاء الدين والمصباح السحري“، وقصة “علي بابا والأربعون لصًا“، فضلًا عن القصة-الإطار أو الحكاية- الإطار “شهريار وشهرزاد” التي يستشهد بها دارسو السرد على قوّة هذا الفن في دفع الموت عن شهرزاد، وفي تغيير سلوك شهريار، وإعادته إلى جادة الصواب!
ويعرف معظم دارسي الليالي العربية أن الحكاية الأولى، أي “السندباد البحار”، التي اكتشفها غالان خلال رحلاته العديدة إلى الشرق الأدنى وترجمها ليظفر منها بنجاح منقطع النظير، كانت الحافز الأكبر في سعيه إلى الحصول على مخطوطة ألف ليلة وليلة من سوريا والشروع في ترجمتها، وأن حكايتي”علاء الدين والمصباح السحري“، و“علي بابا والأربعون لصًا“. لا تعودان إلى نسخة الليالي الأصلية، وأنهما تدخلان ضمن ما بات يعرف بالحكايات اليتيمة Orphan Tales المتضَمَّنة في المجلدات 9-12 من الترجمة الفرنسية التي أنجزها غالان، والتي نشرت بين عامي 1712-1717، وأن المصدر الأساسي لهذه الحكايات، كما تبيِّن يوميات غالان، لم يكن غير الشاب السوري الحلبي حنا دياب، الذي أنقذ غالان- فيما يبدو – بعد أن نفد معين هذا الأخير من قصص ألف ليلة وليلة، ولم يعد لديه مزيد منها. ولكن غالان لم يصرّح في المجلدات التي ضمّت الحكايات اليتيمة المستمدَّة من حنا دياب، بدينه للرجل، ولم يذكره البتة، غير أن يومياته التي دونها بين 25 آذار، و25 تشرين الأول من عام 1709، والتي لم يعدّها للنشر، تُوثِّق، باعترافاته فيها، هذا الدين، وتفصِّله، بما تتضمنه من خلاصات لهذه الحكايات، بما في ذلك الحكايات التي لم يدرجها في تلك المجلدات المذكورة آنفًا، وما تشير إليه من وقائع تتصل بها.
وترد أول إشارة إلى علاقة أنطون غالان بحنا دياب في يومية 25 آذار 1709، التي يشير فيها إلى الرجل الحلبي الذي التقاه في منزل صديقه بول لوكاس (1737-1664) Paul Lucas الرحالة والمستكشف الفرنسي، الذي جال الشرق الأدنى وشمالي إفريقية على نحو واسع مستعينًا بحنا دياب الذي رافقه مساعدًا ومترجمًا في ترحاله، ويذكر فيها أن حنا دياب حدّثه بحكايات جميلة جدًا، ووعده بتسليمها مكتوبة في وقت لاحق.
وبعدها تتتالى الإشارات بدءاً من 5 أيار حتى الثاني من حزيران، موثِّقة إسهام حنا دياب في المجلدات الأربعة الأخيرة من الليالي العربية:
ففي الخامس من أيار من عام 1709 سلم حنا دياب أنطوان غالان مخطوطة حكاية “علاء الدين“؛
وفي السادس منه حدثه بحكاية “قمر الدين وبدر البدور“؛
وفي العاشر منه حدثه بحكاية “الأعمى بابا عبد الله وتاريخ سيدي نعمان“؛
وفي الثالث عشر منه حدثه بحكاية “الحصان المسحور“،
وفي الخامس عشر منه حدثه بحكاية تدور حول ثلاثة أمراء نشؤوا في قصر من الكريستال، تشبه كثيرًا قصة الأختين الغيورَيْن من أختهما الصغيرة؛
وفي الثاني والعشرين منه حدثه بحكاية الأمير “أحمد والجنِّيّة بيري بانو“؛
وفي الثالث والعشرين منه حدثه بحكاية “الأمراء الثلاثة والجنِّيّ مورهاجيان“، وهي الحكاية نفسها التي لفق لها دوم دينيس شافيز Dom Denis Chavis نسخة عربية؛
وفي الخامس والعشرين منه حدثه بحكاية “الأختان الغيوران من أختهما الصغرى“؛
وفي السابع والعشرين منه حدثه بحكاية الإطار الرئيسية “تاريخ الملك أزاد بخت وابنه” أو “الوزراء العشرة“، وحكاية “علي باب والأربعون لصًا“؛
وفي التاسع والعشرين منه حدثه بحكاية “تاريخ الخواجا حسن الحبال“؛
وفي الحادي والثلاثين منه حدثه بحكاية “الخواجا علي والتاجر البغدادي“؛
وفي الثاني من حزيران من العام نفسه حدثه بحكاية أخرى لم تنشر.
وقد صدر حنا دياب، في مجموع الحكايات هذه، كما يؤكد معظم باحثي الليالي العربية، عن الذخيرة السردية للشرق الأدنى ونظيرتها الأوربية.
أما آخر إشارة في يوميات غالان يتناول فيها علاقته بحنا دياب، فترد في يومية 25 تشرين الأول، ويذكر فيها أنه تلقى رسالة من حنا دياب يعلمه فيها بوصوله إلى مارسيليا التي كانت المحطة الأولى في رحلة عودته إلى حلب.
شكرا على تصفحك واهتمامك بهذه المادة. لقراءة كامل المادة يمكن تحميل الملف بالضغط على رابط التحميل في أعلى الصفحة!